الموقع الرسمي للدكتور اسلام عنان

إسلام عنان يكتب.. كيف نجحت دول عربية دون أخرى في الوصول لخطة تلقيح فعالة ضد كورونا؟

كتب الدكتور إسلام عنان، أستاذ اقتصاديات الصحة وعلم انتشار الأوبئة بجامعة مصر الدولية، مقالا نشر منه أجزاء في جريدة اليوم السابع باللغة العربية، وبالإنجليزية في Nature Middle East.

 

جاء المقال الذي نشر في بداية شهر مايو 2021، تحت عنوان “كيف نجحت دول عربية دون أخرى في الوصول لخطة تلقيح فعالة؟”، وإلى نص المقال:

 

إن أهداف برنامج التطعيم ضد مرض كوفيد -١٩ بشكل عام هي التالي:

١- تجنب قدر الإمكان من الوفيات والإصابات بأعراض تنفسية حادة: إن معظم الوفيات والحالات الشديدة تكون بين العاملين في مجال الرعاية الصحية والمواطنين ما فوق ٦٥ عاماً ومِمَن يعانون من الأمراض المزمنة (يطلق عليهم الفئات الاكثر عرضة).

لذلك إذا تمكنا من إعطاء اللقاحات لهذه الفئات الضعيفة، فسوف تنخفض نسبة الوفيات بطريقة ملحوظة (تحييد المرض) ونتجنب التكدس في المستشفيات، وعليه يجب أن يكون عام 2021 هو العام الذي يتم فيه القيام بذلك مع المساواة بين الدول بنسبة ٢٠-٢٥٪ من سكان كل دولة.

٢- الوصول إلى مناعة القطيع: وذلك من خلال الوصول من ٥٠% إلى ٧٠% من المواطنين ليكونوا محصنين بالكامل.

في نموذج نُشر في مجلة Anesthesia Journal بواسطة (الأستاذ تيم كوك، كلية الطب، جامعة بريستول، المملكة المتحدة)، قُدر أن تطعيم ٢٨٪ من السكان (الفئات الأكثر عرضة) سيؤدي إلى تقليل أعداد الوفيات بنسبة ٨٨٪، كما أن تلقيح ٦٠٪ من السكان سيقلصها بنسبة ٩٨٪، وينبغي أن تكون هذه هي خطة ٢٠٢٢.

– حتى تاريخ (١ مايو ٢٠٢١) تم إعطاء في حدود مليار جرعة لقاح، وتم اعطاء جرعات تطعيم كاملة إلى ما يقرب من ٨٪ من سكان العالم وبمعدل ٢٠ مليون جرعة يومياً، وإذا لم نسرع من وتيرة عملية التلقيح هذه فلن تنتهي قبل الربع الأخير من ٢٠٢٢ على أن تكون النتيجة تلقيح نحو ٧٠٪ من سكان العالم وهو يظل ميعاد متفائل جداً في ظل عدم وجود عدالة توزيع.

– بسبب النقص في التصنيع والإمداد وعدم العدالة، فإن الإنصاف والمساواة في توزيع اللقاح سيضمن وصوله إلى ٢٠٪ من سكان العالم معاً بوتيرة اسرع من قدرة الفيروس على التحور وهو ما لم يحدث للأسف، وبالتالي لن يتم تحييد المرض.

– أما بالنسبة للعالم العربي، فيمكننا أن نجد دولاً عدة تذهب في الاتجاه الصحيح لتحييد خطورة فيروس كورونا المستجد (كوفيد -١٩)، فمثلاً وصلت الإمارات العربية المتحدة حتى اليوم إلى ما يقرب من ١٠٠٪ من سكانها بجرعة واحدة على الأقل، وبهذا المعدل سيصلون إلى ٧٠٪ من التلقيح الكامل (جرعتان) بحلول يونيو ٢٠٢١، لتصبح الدولة الثانية على مستوى العالم من حيث النسبة المئوية للسكان المغطاة، وينطبق الأمر نفسه على البحرين وقطر وتليهم المملكة السعودية.

ويمكن تصنيف الدول العربية إلى ٣ فئات:

– الفئة الأولى (تلقيح سريع): ستصل على الأرجح إلى الهدفين (التلقيح الكامل) بحلول عام ٢٠٢٢ مثل دول مجلس التعاون الخليجي.

– الفئة الثانية (تلقيح بطيء): تطمح للوصول إلى ٢٠٪ من السكان (الفئات الأكثر عرضة) بنهاية عام ٢٠٢١، مثل دول شمال إفريقيا (مصر وليبيا وتونس والجزائر والمغرب).

– الفئة الثالثة (لا تلقيح): حيث لا توجد صفقات أو صفقات محدودة للغاية لبدء التلقيح حتى الآن، مثل دول النزاع أو مناطق الحرب في الشرق الأوسط (اليمن وسوريا والعراق).

بشكل عام الطريقة الأكثر ملاءمة للوصول إلى الهدفين المذكورين أعلاه هى النهج التدريجي للوصول إلى ٢٠٪ على الأقل من المجموعات الأكثر عرضة للإصابات الشديدة ثم استهداف ٧٠٪ من السكان بحلول عام 2022 كحد أقصى.

الدول التي وصلت إلى الهدفين (كالإمارات العربية المتحدة) أو في طريقها (كباقي دول الخليج) من الفئة الأولى، نجحت في القيام بما يلي:

١- عقد صفقات ثنائية مبكرة للغاية مع مصنعي اللقاحات مع الالتزام بجدول زمني يتطلب بالطبع قوة مالية وموارد، على الرغم من أن منظمة الصحة العالمية لم تشجع الصفقات الثنائية لأنها – وهذا ما حدث – تغير الجدول الزمني للوصول إلى ٢٠٪ من سكان العالم الحصول على التطعيم في نفس الوقت، حيث تعاقدت الدول مع الشركات المصنعة لجرعات كافية لـ ١٠٠٪ من سكانها أو في بعض الأحيان أكثر مثل كندا واليابان، ولكن في الواقع إذا اتبعت الدول العربية توصيات منظمة الصحة العالمية بعدم عقد صفقات ثنائية، فلم نكن لنشهد لقاح واحد في الشرق الأوسط لأن الدول الغنية كانت أول من تجاهل توصيات منظمة الصحة العالمية ونفذت العديد من الصفقات الثنائية.

وإلى الآن لم تبدأ مبادرة COVAX في توزيع الجرعات على البلدان ذات الدخل المتوسط والمنخفض إلا ملايين قليلة من الجرعات للدول الأفريقية، منهم ٨٠٠ ألف جرعة لدولة لسودان الشقيقة.

٢- قدرات سلاسل الإمداد والتوريد الناجحة: القدرة على شحن اللقاحات وتخزينها في ظروف باردة خاصة لقاح فايزر (-٧٠ درجة)، وكذلك امتلاك وحدات صحية متنقلة وثابتة لتوزيع اللقاح وإدارته، وفي الفئتين (٢) و (٣) تفتقر البلدان إلى سلسلة التبريد أو التخزين الخاص بشركة Pfizer أو اللقاحات الحديثة.

٣- القدرة المعلوماتية والرقمنة: وجود قاعدة بيانات لتحديد الفئات المستحقة للتمكن من الوصول إليهم بسرعة كافية ولضمان توزيع عادل على مدنهم ومحافظاتهم، وكذلك لتتبع الملقحين عبر التطبيق والطرق الرقمية للجرعة الثانية واليقظة الدوائية.

٤- القيادة بالقدوة: تقليل تأثير الحركة المضادة للقاح (ومناهضي التطعيم) من خلال جعل قادة الدول وملوكها وأمرائها يأخذون اللقاح أولاً، كما هو الحال في البحرين والإمارات العربية المتحدة، وهناك عامل آخر ساهم في تشجيع المواطنين لأخذ اللقاح وهو إصدار مجلس الفتوى الإماراتي حكماً شرعياً لصالح اللقاح وتطعيم رئيسه عبد الله بن بيه.

٥ قلة عدد سكان بلدان الفئة (١) مقابل الفئات الأخرى شكل تحدياً  لبلدان الفئتين (٢) و(٣).

 

(قومية اللقاح… هل من أمل لعدالة التوزيع؟)

يجب على منظمة الصحة العالمية ومبادرتها (كوفاكس) جنبًا إلى جنب مع المنظمات غير الحكومية والمنظمات الدولية أن يكون لها سلطة أكبر على ظاهرة قومية اللقاح أي الاستحواذ وعدم مشاركة اللقاحات من جانب الدول.

ومن الواضح حتى الآن أنه لا توجد إرادة حقيقية لإصدار قيود واضحة ضد قومية اللقاح من قبل أي منظمات دولية باستثناء بعض الإعلانات الصادرة عن منظمة الصحة العالمية، التي من الواضح أن أحدا من الدول الغنية لم يعرها اهتماماً، إذ سارعت الأخيرة إلى عقد صفقات ثنائية وحجز أشهر من الإنتاج مع جدول زمني مبكر أكثر من مبادرة كوفاكس.

وسيؤدي عدم المساواة في توزيع اللقاح واعطائه لشعوب دون أخرى إلى أحد الأمرين أو كليهما:

١- انهيار للاقتصاد العالمي: انتشار الفيروس في الدول المنخفضة والمتوسطة الدخل بسبب ارتفاع عدد السكان في هذه الدول، سيؤدي إلى تكدس كبير في المستشفيات ووقف عجلة الإنتاج ما ستؤدي بدورها إلى نقص في الناتج القومي المحلي لهذه الدول، والحال أن الأزمات الاقتصادية المحلية ستؤدي إلى أزمات اقتصادية عالمية، فالعالم مرتبط عبر سلسلة التجارة والتوريد، ومعظم الموارد الطبيعية موجودة في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل.

٢- ظهور سلالات للفيروس مقاومة للقاح: إن انتشار الفيروس في الدول المنخفضة والمتوسطة الدخل، قد يعزز فرضية ظهور سلالة مقاومة للقاحات يمكن أن تضرب العالم مرة أخرى بما في ذلك الدول الغنية، ما يعني أنه سيتم إنفاق كل المال والموارد والوقت سدى لإعادة التلقيح كما يحدث اليوم، حيث الخشية حاضرة من مقاومة المتغير المكتشف في البرازيل (P1) للقاحات.

 

الحلول لتقصير الفجوة والوصول لعدالة التوزيع هي:

١- إنتاج اللقاح (نقل التكنولوجيا) في الدول العربية مثل مصر التي تعد أكبر مصنع للمستحضرات الصيدلانية وبخبرة طويلة في الوطن العربي وكذلك في الأردن والجزائر والسعودية.

هناك بالفعل مثل هذه العملية كالصفقة بين مصر وسينوفارم وجمالايا في روسيا والتي ستمكن مصر ليس فقط من الوصول إلى هدفي التطعيم ولكن أيضاً من التصدير إلى إفريقيا والشرق الأوسط.

٢- بما أن كوفاكس فشلت في الحصول على الحصص ضمن الجدول الزمني المتفق عليه وفي ظل أزمات الإتحاد الأوروبي الذي يمنع تصدير اللقاحات خارجه، من الأولى لكوفاكس حالياً أن توجه مواردها لمساعدة الدول المنخفضة والمتوسطة الدخل لإعادة تصنيع اللقاحات عن طريق صرف ما يلزم لنقل التكنولوجيا وتجهيز المصانع والمواد الخام، مع الحرص على عدم التقيد بالملكية الفكرية أو الاحتفاظ بأسرار التصنيع من قبل الشركات المطورة للقاحات كما ينص القانون في حالة وجود جائحة.

٣- يجب على كوفاكس تثبيت الجدول الزمني عن طريق الضغط السياسي على مصنعي اللقاحات ودولهم الأصلية لإلزامهم بالجدول الزمني الأولي وتقديم العطاءات لهم بالعقود لضمان أن يكونهناك عواقب للتأخير.

٤- لا ينبغي أن تتحكم كوفاكس في إرسال اللقاح فحسب، بل يجب أن تتحكم أيضاً في سلسلة التوريد والتتبع حتى وصول اللقاحات لمستحقيها في الدول المنخفضة والمتوسطة الاقتصاد لتجنب السوق السوداء وحصول الفئات الأعلى دخلا فقط في هذه الدول.

٥- يجب على الحكومات في الدول المنخفضة والمتوسطة الاقتصاد محاولة توسيع تقنيات الفرز والكشف الخاصة بهم لمعرفة الأعداد والحجم الحقيقي للوباء.

إن الأرقام المعلنة تمثل نسبة ضئيلة من الرقم الفعلي ما يقلل من أهمية إمداد هذه الدول باللقاحات في الوقت المناسب، كما أنها قد لا تحظى بالأولوية في الجدول الزمني، وهنا نأخذ مثالاً دول أمريكا الجنوبية لناحية حصرها للأعداد بطريقة جيدة للغاية بالرغم من قلة الإمكانيات مقارنة بالدول الغنية.

 

خطط مقترحة لدول النزاع للوصول إلي خطة توزيع اللقاحات

وفقاً لـ “People Alliance” فإن 9 من كل 10 أشخاص في مناطق النزاع لن يتلقوا اللقاح.

بالنسبة لبلدان (الفئة 3) ومناطق الصراع، فهي تعتمد حالياً على:

١- كوفاكس للحصول على لقاحات مدعومة أو مجانية، ولكن بدون جدول زمني واضح لتلقيها.

٢- التبرعات من الدول الغنية داخل المنطقة وخارجها كمصدر تمويل أيضاً.

٣- منظمات التعاون الدولي والمعونة الإنسانية والطبية الدولية وهى تستعد حالياً للمساعدة في الخطة.

إن اتاحة اللقاح في دول الفئة (٣) ومناطق الصراع من شأنها أن تحل بنسبة ٥٠٪ من المشكلة فقط، فهذه الدول تفتقر إلى قاعدة البيانات وسلسلة التوريد والقدرة المعلوماتية ونظام اللقاح العادل والشفاف.

وعليه سيكون على عاتق المنظمات الدولية ومنظمات المساعدة الإنسانية والطبية لعب دورا رئيسيا مع وزارات الصحة، كما اعتادت أن تفعل في الأمراض المعدية السابقة (كما حدث في إيبولا أو فيروس سي في السودان) وذلك من خلال جمع قاعدة بيانات الفئات الضعيفة بشكل أساسي، والتطوع في إعطاء اللقاحات وكذلك تتبع الحالات، وتدريب مواطنين محليين للمساعدة ولكن هذا سوف يحتاج إلى تعاون كبير من قبل الحكومات هناك.

لكي نكون واقعيين وبما أن بعض الدول لن تصل إلى ٢٠٪ من تلقيح مواطنيها في ٢٠٢١ و٧٠٪ في ٢٠٢٢، يجب أن تكون خطة دول الفئة (٣) نهجاً متدرجاً على النحو التالي:

١- تقسيم كل دولة إلى مناطق ذات تعداد سكاني متماثل أو مناطق عالية، ومتوسطة، ومنخفضة الكثافة السكانية.

٢- يقوم العاملون في مجال الرعاية الصحية والمتطوعون ببناء قاعدة بيانات يدوياً للفئات الضعيفة من خلال التسجيل في وحدات التطعيم (وحدات الرعاية الصحية).

٣- ضمان وصول اللقاح إلى الكوادر الطبية فقط كمرحلة أولى بنفس ترتيب المناطق السكانية المرتفعة والمتوسطة والمنخفضة قبل الربع الرابع من عام ٢٠٢١.

٤- الوصول إلى باقي المجموعات بحلول عام ٢٠٢٢ (٢٠-٢٥٪) من خلال ذات منافذ برامج التطعيم الأساسية (الأطفال) في هذه الدول عبر وحدات الرعاية الصحية.

5- التوسع نحو نموذج ٧٠٪ حتى ٢٠٢٢-٢٠٢٣.

أخيراً، كشفت هذه الجائحة الجانب المظلم لدى دول عدة تحديدا لناحية قومية اللقاحات، فمن شأن الأنانية التي ظهرت أن تعود بالأذى على الدول المستأثرة باللقاحات، فإما أن يخرج العالم من هذه الجائحة معاً أو يبقى فيها … إلى أن!

قد يعجبك ايضا